الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ثم أكد عليهم ثانيا بقوله: {فَتَبَيَّنُوا} وهذا تأنيب وتنقيد لما وقع منهم.وتقريع وتبكيت لعملهم {إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)} لا حاجة بأن تخبروا رسولكم به، لأن اللّه تعالى يخبره بحقيقة حالكم، وهو يجازيكم على فعلكم بحسب نياتكم.وفي هذه الجملة تهديد لهم وتحذير لمن يعمل عملهم أي إياكم أيها المؤمنون والتهافت على القتيل طلبا للغنيمة فإنه يؤدي بكم إلى الهلاك وعليكم بالاحتراز والاحتياط، قالوا كان مرداس بن بهنك من أهل فدك من بني مرّة بن عوف أسلم وحده فسمع قومه بسرية لرسول اللّه تريدهم فهربوا وتركوه، فلما جاءت السرية تكبر نزل إليهم مكبرا قائلا لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه فضربه أسامة بن زيد فقتله واستاق غنمه، فلما جاءوا إلى الرسول قال أقتلتموه إرادة ما معه؟ فنزلت هذه الآية قبل وصولهم.وهذه من معجزاته صلّى اللّه عليه وسلم إذ أخبره اللّه بما فعلوا قبل أن يصلوا إليه، وكان صلّى اللّه عليه وسلم وجد وجدا شديدا، فقال أسامة، ما قالها يا رسول اللّه إلا خوفا من السلاح، قال أشققت قلبه؟ فقال أسامة استغفر لي يا رسول اللّه، فقال كيف أنت بلا إله إلا اللّه كررها ثلاثا؟ قال أسامة وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ، أي ما وقع منه مكرا مع جملة الذنوب، لأن الإسلام يجب ما قبله، وطلب من حضرة الرسول أن يستغفر له وأمره أن يعتق رقبة.قال تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ} عن الجهاد والغزو {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ} بالرفع صفة للقاعدين وبالنصب على الاستثناء وبالجر صفة للمؤمنين {أُولِي الضَّرَرِ} المرضى والعميان والعرجان وجميع ذوي العاهات المخلة بالقوى والجوارح.{وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} بل بينهما بون شاسع ظاهر، وإنما ذكره اللّه مع العلم به توبيخا وتبكيتا للقاعدين، وتحريكا لهم وتحريضا على الجهاد والغزو {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً} عظيمة لا يقدر قدرها إلا اللّه والمراد بالقاعدين في هذه الآية الذين هم ظهر للاسلام الغائبين بقيامهم على ذراريهم وأموالهم ونسائهم لا المتخلفين نفاقا ولا القاعدين كسلا وجبنا، لأن هؤلاء لا فضل لهم حتى يفضل اللّه عليهم غيرهم، بل منافقون عاصون آثمون خاسرون، ولهذا قال تعالى بحق أولئك المتخلفين على أهالي الغزاة وأموالهم: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى} الجنة، ولكنهم درجات متفاوتون، أما القاعدون خوفا وجبنا أو كلّا فبعيدة عنهم هذه الحسنى، إلا أن يتغمدهم اللّه برحمته، وأما القاعدون نفاقا أو عدوانا فموعدهم النار في الآخرة، والهوان في الدنيا.ثم أكد اللّه تعالى فضل أولئك بقوله: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ} بأموالهم وأنفسهم فقط {عَلَى الْقاعِدِينَ} في مواطن المجاهدين لحفظ أموالهم وذراريهم أو القاعدين الذين أنفقوا أموالهم على المجاهدين أو جهزوا الغزاة بما قدروا عليه القاعدين كسلا أو جبنا أو نفاقا كما مر، لهذا جعل اللّه لهم {أَجْرًا عَظِيمًا (95)} لا يعلم كنهه إلا اللّه العظيم.ثم فسر هذا الأجر بقوله: {دَرَجاتٍ} جليلات بدليل إضافتها إليه جل شأنه لأنها {مِنْهُ وَمَغْفِرَةً} لذنوبهم {وَرَحْمَةً} تطهرهم {وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)} لأن هؤلاء من قبيل المرابطين، وقد أشرنا إلى ما يتعلق بالرباط والجهاد في الآية 195 من سورة البقرة، أما المجاهدون بأموالهم فقط فلهم أجر عظيم عند اللّه أيضا، ولكن دون المجاهدين بأنفسهم ودون المرابطين أيضا لذلك بينا آنفا أن تفضيل المجاهدين بأنفسهم فقط أو بأنفسهم وأموالهم على هؤلاء المرابطين، لأن المجاهدين بأموالهم فقط ليسوا مثلهم بالفضل فضلا عن أنهم يفضلون عليهم.واعلم أنه لا يوجد في القرآن إلا ثلاث آيات مبدوءة بحرف الدال هذه الآية 10 من سورة يونس والآية 160 من سورة الأنعام، وذكرنا أيضا ما يتعلق في بحث الجهاد والرباط في الآية 60 من الأنفال والآية 176 من آل عمران المارتين وبينا أن الجهاد فرض عين إذا دخل العدو دار قوم من المؤمنين أو بلدا من بلادهم، على جميع أهل البلد والبلدان المجاورة لها، وإذا لم يكفوا فيجب على كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وإلا فهو على الكفاية روى مسلم عن جابر قال كنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في غزاة فقال رسول اللّه إن بالمدينة رجالا ما سرتم سيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم المرض.وروى البخاري عن أنس قال رجعنا من غزوة مع النبي فقال: إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا حبسهم العذر.أي معنا بقلوبهم ولولا أعذارهم لخرجوا لأنهم سمعوا ما أنزل اللّه بفضل الجهاد وحزنوا لعدم اشتراكهم فيه ولولا أن اللّه استثناهم لخاطروا بأنفسهم رغبة بما أعد اللّه لمجاهدين، لأن المرضى والعجزى ساقط عنهم الجهاد، واللّه تعالى أكرم من أن يحرمهم أجره، وهؤلاء غير المتخلفين لمناظرة عيال الغزاة والذين هم ظهر للمجاهدين المار ذكرهم قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ} بالقعود بين الكفرة وترك الهجرة من بلادهم وهم أناس تكلموا بكلمة الإسلام وبقوا في مكة ولم يهاجروا لأن من أسلم ولم يهاجر لا يتم إسلامه، وبقي الأمر كذلك إلى فتح مكة، وفيهم نزلت هذه الآية، وهؤلاء تسألهم الملائكة عند موتهم كما ذكر اللّه بقوله: {قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} أمع المسلمين أم المشركين استفهام توبيخ وتقريع {قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} أطلق لفظ الأرض على مكة لشرفها {قالُوا} لهم الملائكة أيضا {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها} وتتركوا أرض المشركين، فسكتوا وعجزوا عن الجواب إذ لا عذر لهم بذلك لأن من لم يستطع أن يخرج علنا يهرب هربا، ومن لم يستطع أن يأخذ أهله يتركهم ويختار اللّه عليهم {فَأُولئِكَ} الذين هذا شأنهم وماتوا على ما هم عليه يكون {مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيرًا (97)} هي لأن بقاءهم مع الكفر عون لهم وتكثير لسوادهم وخذلان للاسلام، ولأن إسلامهم كان مقتصرا على الكلام فقط بينهم وبين أنفسهم، ولا يعرفون من أركانه شيئا، ولا يقدرون أن ينبسوا بشيء منه بين المشركين، وربما خاضوا معهم بالكفر.وقدمنا ما يتعلق بالهجرة في الآية 59 من سورة العنكبوت ج2 فراجعها ففيها كفاية.ثم استثنى اللّه تعالى العاجزين حقيقة بقوله: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ} الذين {لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} في الخروج لفقرهم وعجزهم {وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)} إليه بسبب ضعفهم وصغرهم {فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} وعسى من اللّه تعالى إطماع وترج، وإذا أطمع اللّه عبده ورجّاه أوصله وأعطاه وهو أكرم من أن يخيب عباده كيف وهو القائل أنا عند ظن عبدي بي {وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)} لا يضيق عفوه ولا ينقص فضله ولا يقل ستره عن أمثالهم.قال ابن عباس كنت أنا وأمي من المستضعفين روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال لما رفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم رأسه من الركعة الثانية، قال اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كني يوسف.ثم رغب اللّه في الهجرة بقوله: {وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فارا بدينه من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ليتمكن من القيام بما فرضه اللّه عليه واجتناب ما نهى عنه، كما أمر وأراد {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا} طريقا يسلكه على رغم أنف من يهاجر عنهم ومتحولا يتحول إليه ومحلا ينزل به في المحل الذي يهاجر إليه غير أرضهم ومتجولا رحبا {كَثِيرًا وَسَعَةً} في الرزق والمحل {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} قبل بلوغ مهاجره {فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} بمقتضى فضله ووعده {وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)} بهم يستر ما مضى منهم ويدخلهم في سعة رحمته.قال ابن عباس لما نزلت الآية الأولى وشاعت في مكة.قال شيخ من بني ليث اسمه جندح بن حمزة، واللّه ما أنا ممن استثنى اللّه ولي من المال ما يبلغني المدينة، واللّه لا أبيت بمكة وكان مريضا فأخرجوه على سرير، فلما وصل التنعيم أدركه الموت فصفق بيمينه على شماله، وقال اللهم هذه لرسولك أبايعك على ما بايعك رسولك.ثم مات، فقال المشركون ما أدرك ما طلب، وقال المؤمنون لو وافي المدينة لتم أجره، فأنزل اللّه هذه الآية الدالة على أن المهاجر له إحدى الحسنين: إما أن يرغم أنف أعدائه ويذلهم بسبب مفارقته لهم واتصاله بالخير والسعة، وإما أن يدركه الموت فيصل إلى السعادة الحقيقية والنعيم الدائم.وقدمنا في الآية 56 من سورة العنكبوت ما يتعلق بهذا الحديث فراجعه.
.مطلب في قصر الصلاة وكيفيتها وهل مقيدة بالخوف أم لا ومدتها، وقصة سرقة طعيمة بن أبيرق وجواز الكذب أحيانا: قال تعالى: {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} من أربع إلى اثنتين {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} بأن يغتالوكم وأنتم فيها {إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا} ولم يزالوا {لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)} فتحذروا منهم ثم بين كيفية صلاة الخوف فقال جل قوله: {وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ} يا سيد الرسل {فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} فاقسمهم إلى طائفتين وأمرهم {فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} تقتدي بك في صلاتها {وَلْيَأْخُذُوا} أي الطائفة الأخرى التي أمرتها أن لا تصلي معك أولا {أَسْلِحَتَهُمْ} ليحرسوكم {فَإِذا سَجَدُوا} أي الطائفة التي اقتدت بك {فَلْيَكُونُوا} أي الطائفة الحارسة تجاه العدو وليراقبوهم لئلا يغدروا بكم {مِنْ وَرائِكُمْ} لأنكم لا ترونهم حال إحرامكم بالصلاة، وليبقوا هكذا في حراستكم حتى إذا أكملت الطائفة المصلية معك ركعة تأخرت وراءها ووقفت بإزاء العدو مكان الطائفة الحارسة وأكملت صلاتها وحدها، ويبقى الرسول أو الإمام بعده واقفا في محله، وبعد إكمالها صلاتها تقدمت الطائفة التي لم تصل فتأتم بالإمام، وهذا معنى قوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا} بعد {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} أيضا لأنها كانت تحرس المصلين الأولين {وَلْيَأْخُذُوا} هؤلاء المصلون {حِذْرَهُمْ} بأن يكونوا يقظين لئلا يباغتهم العدو، وعليهم أن يرتدوا ما لديهم من درع وغيره من كل ما يتحرز به {وَأَسْلِحَتَهُمْ} أيضا ليكونوا متهيئين عند مبادرة العدو لهم، ويبقى الإمام جالسا إلى أن تأتي هذه الطائفة الأخيرة بالركعة الثانية بالنسبة للامام، وهي أولى بحقهم، أو تتم صلاتها، ثم يسلّم الإمام فتكون الطائفة الأولى أدركت أول صلاة الإمام والأخرى مسبوقة بركعة، وإنما كان كذلك لأن الإمام كان رسول اللّه ولا يفرط أحد بأن يحرم من الاقتداء به، أما الآن فيمكنهم أن يصلوا كل طائفة بإمام على حدة، ولكن يا حسرتاه أين الصلاة الآن، فإنهم يستصحبون في حروبهم الفتيات والخمور ويعملون الفواحش ويريدون النصر من اللّه وهيهات ذلك لمن عصاه وبارزه بالمناهي وأعرض عن الطاعة وركن إلى الملاهي، ولا يخجلون فيقولون لم لا ينصرنا اللّه وقد وعدنا النصر؟.نعم إن اللّه تعالى وعد المؤمنين النصر، ولكن هات المؤمنين وخذ نصر اللّه المبين، واللّه لا يخلف الميعاد، ولكن نحن الناكثون المنافقون، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وإنما أمرهم اللّه بأخذ حذرهم لأن الكفرة بالمرصاد لهم، وقد {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ} فتتركونها باشتغالكم بالصلاة أو غيرها {فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ} في هذه الفرصة التي يتربّصونها {مَيْلَةً واحِدَةً} ويحملون عليكم حملة رجل واحد فيقتلونكم على غرة ويأخذون ما لديكم من سلاح ومتاع هذا {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} في الصلاة وغيرها على أن تكونوا يقظين {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} في هذه الحالة أيضا لئلا يبغتكم العدو المتربص لكم ولم تتمكنوا من تناول أسلحتكم إذا تركتموها {إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذابًا مُهِينًا (102)} لهم، لأنهم لا يراعون حقه ولا يتقيدون بأمره ونهيه {فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِكُمْ} أي في كل حال كما مر في الآية 197 من آل عمران فإن كثرة ذكر اللّه توقع السكينة في القلب وتزيل الخوف والرعب {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} وأمنتم من هجوم عدوكم وعرفتم بما بثثتم من العيون والجواسيس إنه لا يمكنه الوصول إليكم في صلاتكم {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} كاملة وصلوها جميعا جماعة {إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ} ولا تزال {عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا (103)} محدودا بأوقات معلومة لا يصح تقديمها، ولا ينبغي تأخيرها عنها ولا يجوز إهمالها حتى يخرج وقتها لأنها تكون قضاء، قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ} بأن تتقاعوا عن طلبهم بل تعرضوا لهم واطلبوهم ولا تحجموا عنهم وتحتجوا {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} مما أصابكم أو يصيبكم من الجراح والقتل والأسر {فَإِنَّهُمْ} أعداؤكم {يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ} أنتم لأنهم بشر مثلكم {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ} أيها المؤمنون من الثواب والسعادة في الآخرة والشفاء والخير في الدنيا {ما لا يَرْجُونَ}، شيئا من ذلك، وقد يكون لهم الشفاء في الدنيا، أما العذاب في الآخرة فهو محتم لهم، وهذه الميزة العظيمة لكم دونهم فضلا عن أن اللّه وعدكم العز في الدنيا والسعادة في الآخرة وأوعدهم الهوان في الدنيا والعذاب في الآخرة {وَكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)} فيما يفعل ويقدّر.
|